من صفات المؤمنين
قال رسول اللّه (صل الله عليه وسلم) :
((لا تحاسدوا، ولا تناجشوا، ولا تباغضوا، ولا تدابروا، ولا يبع بعضكم على بيع بعض، وكونوا عباد الله إخوانا، المسلم أخو المسلم، لا يظلمه ولا يسلمه ، ولا يخذله، ولا يكذبه، ولا يحقرة. التقوى ها هنا - ويشير إلى صدره ثلاث مرات - بحسب امرئ من الشر أن يحقر أخاه المسلم. كل المسلم على المسلم حرام: دمه، وماله، وعرضه))
شرح الحديث:
يؤكد رسول الله (صل الله عليه وسلم) في هذا الحديث أهمية الأخوة بين أبناء الأمة الواحدة، وإتباع الدين الواحد، بل بين الأسرة الإنسانية.
هذه الأخوة منطقية وطبيعية فالناس كلهم لآدم وآدم من تراب... فضلاً عن ذلك فرابطة الإيمان من أقوى الروابط، لذا فالمؤمنون إخوة قال تعالى: { إنما المؤمنون إخوة } . (الحجرات 10).
والواجب على المؤمنين أن يكونوا كالبنيان المرصوص یشد بعضه بعضا . وكالجسد الواحد إذا اشتكى منه عضو تداعى له سائر الجسد بالسهر والحمى وقد تضمن الحديث الشريف المقومات الأساسية للأخوة فنادى بالآتي:
۱- اجتناب الحسد: فمن مقتضيات الأخوة عدم التحاسد بين المسلمين، فالفقير لا ينقم على النني لعلمه أن الرزاق هو الله، والضعيف لايحسد القوي، وكذا المرؤوس لايحسد رئيسه بل على العكس يجب أن يعينه ويعضده في أمور الخير، قاطعا بذلك طريق الحسد.
قال تعالى: { أم يحشدون الناس على ما اتهم الله من فضله ) (النساء: ٥٤) .
فالحسد الذي هو تمني زوال نعمة الآخرين مذموم، ووجه ذمه وقبحه: أنه اعتراض على إرادة الله تعالى ومعاندة له؛ إذ إنه سبحانه وتعالى أنعم على غيره.
وليس من الحسد تمني الحصول على ماحصل عليه المحسود والسعي في تحقيق ذلك (فهذا حسن) ولاسيما إن كان في الأمور الدينية، فالرسول (صل الله عليه وسلم) تمنى الشهادة في سبيل الله.
والرسول (صل الله عليه وسلم) قال: (لاحسد إلا في اثنتين: رجل آتاه الله مالا فسلطه على هلكته في الحق، ورجل آتاه الله حكمة فهو يقضي بها ويعلمها).
اما الأمور الدنيوية، فالحسد مذموم ولاحسن فيه إذا اقترن بتمني زوال نعمة الآخرين.
۲- اجتناب التناجش: أمر الرسول (صل الله عليه وسلم) بأن لايخدع المسلم أخاه المسلم، وصورة هذا الخداع ان يحضر الى السلعة التي ينادي ببيعها ويزيد في سعرها وليس قصده الشراء وإنما يقصد رفع ثمنها فقط، فيضطر الراغب في الشراء الى دفع ثمن أعلى ليشتريها فهذا الخداع محرم إجماعا وهو غش أيضا قال (صل الله عليه وسلم) (من غشنا فليس منا) وهكذا فالواجب على المسلم اجتناب التعامل بالغش والاحتيال.
قال تعالى: { ولا يحيق المكر السيئ إلا بأهله } ( فاطر /43). وقد يكون هذا الاحتيال بالاتفاق مع البائع فيشتركان في الإثم وقد يفعله الناجش من تلقاء نفسه فيكون وزره عليه. وإذا كان النجش من المكر السيئ الذي لا يحيق إلا بأهله؛ إذ إن فيه الضرر على الآخرين فقد حرمته الشريعة كما حرمت أيضا جميع أنواع التعامل الذي ينطوي على الضرر بالآخرين ومن ذلك مانراه في السوق أحيانا من تكديس السلع واحتكارها خفية لدى بعض الباعة، وكذلك قيام بعض الباعة بخلط الجيد بالرديء من البضاعة إلى غير ذلك فهذا كله حرام وخروج عن أخلاق الشريعة الإسلامية وواجباتها.
والقائم بمثل هذه الأمور عاص لله ورسوله وآثم على فعله وهو إنسان اشترى حطام الدنيا وعرضها وزيفها ومغرياتها وعاف الآخرة ونعيمها.
۳- اجتناب التباغض والتدابر: وأراد الرسول الأعظم (ص) أيضا أن تسود المحبة المجتمع وأن يتعاضد المسلمون في كل الظروف والأحوال وأن تنحسر الأنانية والبغضاء عنهم وتنتهي من مشاعرهم وسلوكهم والنهي عن التباغض والتدابر يعني نهياً عن الأسباب المؤدية إليهما، ومن هذه الأسباب الحسد والنجش، وشرب الخمر ولعب القمار.
قال تعالى: ( إنما يريد الشيطن أن يوقع بينكم العداوة والبغضاء في الخمر والميسر ) (المائدة /91) .
فشرب الخمر ولعب القمار كما في الآيه الكريمة سببان من أسباب العداوة والكراهية لما ينتج عنهما من الفتن والشرور والنزاع وإن تنازع مسلم مع مسلم آخر فلا يجوز أن يتماديا في القطيعة، وعليهما أن يسعيا في الصلح قال (ص): ( لا يحل لمسلم أن يهجر أخاه المسلم فوق ثلاث ليال يلتقيان فيعرض هذا ويعرض هذا وخيرهما الذي يبدأ بالسلام) .
٤- اجتناب البيع على بيع الآخرين: هو أن يعرض بائع على شخص يريد شراء سلعة من غيره أن يبيعه بثمن أقل من الذي اتفق عليه مع البائع الأول فهو بذلك يفسد على البائع الأول بيعه ليبيع هو بدلا منه. وقد نهى رسول الله (صل الله عليه وسلم) في حديثه أن يؤدي التنافس بين البائعين إلى طعن كل منهما الآخر بإغراء المشترين بما يضر بعضهم بعضاً فيؤدي ذلك في النهاية إلى الشحناء والنزاع. فالبيع على البيع لا يصدر إلا ممن ضعف إيمانه.
5 - الأخوة بين المسلمين: أمرنا رسول الله (صل الله عليه وسلم) بأن نكون أخوة متآلفين فلا ظلم بيننا ولا تخاذل ولا احتقار من أحدنا للآخر ولا انقسام إلى فئات تتناحر بينها. ارادنا أخوة نترك التعصب للون أو الجنس وننبذ الارتماء في أحضان أعداء الإسلام والحذر كل الحذر من المبادئ الملحدة شرقيتها وغربيتها، فهي والإسلام على طرفي نقيض تماما. والحديث يشدد على الأخوة؛ لأنها سبيل قويم للاستقرار والصفاء والسعادة والبعد منها سبيل إلى الفرقة والضياع والتمزق. ومن ركائز ومقومات هذه الأخوة التي أمر بها رسول الله (صل الله عليه وسلم) في الحديث الشريف اجتناب ظلم المسلمين بالقول أو بالفعل بسب أو طعن أو لعن أو فحش أو إيذاء أو شهادة زور، وكذا اجتناب السخرية والاستهزاء والغيبة والتنابز بالألقاب؛ لأن المقياس الذي يتفاضل به المسلمون هو التقوى، ورب محتقر هو عند الله أفضل ممن احتقره، ومن مقتضيات الأخوة عدم الاعتداء على المسلمين، بالقتل أو الضرب، وعلى أموالهم بالسرقة أو الغش، وعلى أعراضهم بالإهانه أو التدنيس أو الإيذاء بأي شكل كان.
إن قيمة المسلم بالتقوى، وليس في كثرة ماله أو نسبه أو منظره أو قوته إنما قيمته في أعماله النافعة والتقوى مصدر صلاح الفرد، وصلاح الفرد موكل بصلاح سريرته وصلاح السريرة يكتسب بحسب الصلة بالله تعالى وذلك بالمداومة على الطاعات واجتناب المعاصي والمحرمات، فالسريرة القوية هي مصدر كل فعل خير قال رسول الله : (إن الله لاينظر إلى صوركم ولا إلى أجسادكم ولكن ينظر إلى قلوبكم وأعمالكم).
تعليقات
إرسال تعليق