القائمة الرئيسية

الصفحات

احترام العمل وتقويم اليدي العاملة

قال رسول الله (صل الله عليه وسلم) :

((ما أكل أحد طعاما قط خيرا من أن يأكل من عمل يده وإن نبي الله داود عليه السلام كان يأكل من عمل يده )) .
صدق رسول الله (صل الله عليه وسلم)



شرح الحديث

1 - يشير الحديث إلى أن خير كسب الإنسان الذي يستفيد منه ماكان نتيجة عمل يده، وحين يقول الرسول (صل الله عليه وسلم) (من عمل يده ) فلأن أغلب الأعمال بها، فالذي يحصل من كسب النظر للمحافظة على المال ورعايته عمل، ومنح العلم ونشره بين الناس عمل، وكل كسب حلال خالص خال من الغش هو عمل، نصت عليه قواعد الشرع ورفعت من شأنه قال رسول (صل الله عليه وسلم) ((رحم الله امرءاً عمل عملا فأتقنه )). 
وكان نبي الله داود يأكل من عمل يده أعطاه للمثل الصالح وتنفيذا له وقد سجل النبي (صل الله عليه وسلم) هذا التصرف الحميد وأبرزه للمسلمين للاقتداء به والسير على منواله ببذل الجهد واستثمار الطاقات والامكانات. وكان داود ذا جاه وثروة وسلطان ونبوة، ومع ثرائه وسعة ملكه ضرب مثلاً أعلى للحداد الصانع الماهر، واختار أن يأكل من عرق جبينه وصنع يده؛ إذ كان يصنع الدروع من الحديد ويبيعها لاعن فاقة او حاجة، وهو بهذا يحث على العمل وكسب الرزق من الطرق المشروعة، 
قال تعالى متحدثا عنه 
( ولقد ءاتينا داود منا فضلا يٰجبال أوبى معه والطير وألنا له الحديد (١٠) أن أعمل سبغت وقدر في السرد واعملوا صلحا إني بما تعملون بصير (١١) ) (سبا / ۱۱.۱٠). 
2- وحين خص النبي (داود) (عليه السلام) بالذكر، فلأنه كان غنياً وفي ذلك بيان لقيمة العمل، وتكريم للعاملين، وتفضيلاً لهم على من آثروا الراحة والدعة والخمول، وقد جاء هذا التفضيل والتكريم في شخص (داود) عليه السلام لأنه على الرغم من غناه وسعة ملكه لم يكن النبي داود (عليه السلام) الوحيد بين الانبياء الذي كان يكسب من عمل يده فالكثير منهم يشاركونه في ذلك، فالنبي (زكريا) (عليه السلام) كان يعمل نجارا يكسب رزقه الحلال بجهده وعرقه. ويؤكد ذلك قول الرسول (صل الله عليه وسلم) (كان زكريا (عليه السلام) نجارا) | فالنجارة صنعة فاضلة لاتسقط المروءة، وقد اشتغل نبينا محمد (صل الله عليه وسلم) بالتجارة في مال خديجة قبل بعثته ليعيش من ربحها ، كل ذلك دليل على أن الأنبياء قد عدوا العمل جزءاً متمما لدعوتهم في إصلاح المجتمع وانتشاله من ظواهر التخلف والفساد والبطالة.
3- ومن لم يستعن بالكسب الحلال فقد آثر الكسل والخمول، وأصابه الفقر، وسيؤدي ذلك الى ذهاب مروءته وضعف إيمانه واستخفاف الناس به، قال رسول الله (صل الله عليه وسلم): ((لأن يأخذ أحدكم أحبله، فيأتي بحزمة من حطب على ظهره، فيبيعها، فيكف الله بها وجهه، خير له من أن يسأل الناس، أعطوه أو منعوه))، وبذلك يوجه الرسول (صل الله عليه وسلم) الناس جميعا إلى العمل الحلال ويحثهم عليه قدر استطاعتهم، وأن لايبالوا بنوع العمل ومايتطلبه من تحمل المشاق والمتاعب في سبيل التعفف والقناعة والتنزه عن السؤال. فلو جاء المرء بحزمة من حطب بعد أن تحمل مشاق قطعها، وباعها وانتفع بثمنها وقنع بما حصل، لهو أفضل له من أن يمد يده إلى الناس. فكل عمل وان كان قليل المورد كـ (الاحتطاب ) مثلا، خير من سؤال الناس الذي يريق ماء الوجه ويحط من الكرامة. 
ولا يقتصر التجاء الانسان الى ذل السؤال على سقوط قدره بين الناس في الدنيا فحسب، وانما يحشر يوم القيامه ذليلا حقيراً. 
لذا من واجب الإنسان أن يسعى ليكتسب ويحصل على المال، ولا عذر - إذا كان قادراً- في ترك العمل بحجة أن الله قد كتب عليه الفقر أو أن ظروف الحياة القاسية تقف عقبة في وجهه من دون السعي والعمل. 
وقد بين النبي (صل الله عليه وسلم) أن محبة الله تتحقق للمؤمن اذا احترف لنفسه حرفة أو عمل عملا مهما كان صغيرا فقال (صل الله عليه وسلم): (إن الله يحب العبد المؤمن المحترف الحليم) وإن العمل عبادة فمن اتجه اليه والتزمها فان الله يغفر ذنبه ويمحو سيئاته، قال رسول الله (صل الله عليه وسلم) (من امسي كالا من عمل يده أمسى مغفورا له) فالعمل تهذيب للنفس وتطهير للضمير، وصحة للبنية ونفع المجتمع، وليس كالعمل مقو للجسد ،وحافظ لكيان الأمة من التخلف والتدهور والانهيار. 

انتهى الموضوع ...

تعليقات

التنقل السريع