الإسلام وبناء الانسان
في القرآن الكريم حوار بديع بين الله تعالى والملائكة يكشف لنا عن الغاية التي من أجلها خلق الله الإنسان، ومعرفة هذه الغاية هي الوسيلة إلى معرفة الأسس التربوية التي أقام عليها الإسلام بناء الشخصية الإنسانية.
إن هذه الأسس هي العوامل الفعالة في إعداد الإنسان الجيد الذي يجعله صالحا كل الصلاحية لتحقيق الأهداف والغايات التي من أجلها خلقه الله .
والحوار الذي تشير إليه قوله تعالى:
( وإذ قال ربك للملتبكة إني جاعل في الأرض خليفة قالوا اتجعل فيها من يفسد فيها ويسفك الدماء ونحن نسبح بحمدك ونقدس لك قال إني أعلم ما لا تعلمون ) ( البقرة / 30)
ان هذا الحوار يكشف بإيجاز أموراً منها:
1 - أن الله خلق الإنسان ليكون خليفة في الأرض.
2 - أن في الإنسان استعداداً لأن يكون من أهل الخير والصلاح، ومن أهل الشر والفساد، استعداداً للترقي الى احسن تقويم، وللتدني الى أسفل سافلين .
وإعداد الانسان لان يكون خليفته في الأرض يتطلب:
اولا: التربية العقلية:
التي ترتفع به إلى المستوى الذي يمكنه من إعمار الأرض، واستثمار كل هذه النعم التي أنعم الله بها عليه، وكل هذه الكائنات التي سخرها له لينتفع بها { وسخر لكم ما في السمٰوات وما في الأرض جميعا منه } (الجاثية/ 13)
والتربية العقلية والإعداد الذهني قد تكفلهما القرآن العظيم وجهد الرسول الكريم (صل الله عليه وسلم) في تعليم الناس الكتاب والحكمة بهدف إخراجهم من الظلمات والجهل إلى نور المعرفة.
والإعداد الذهني كما يقوم على التعليم، يقوم أيضا على دفع العقل الى التبصر والتدبر وإلى التفكير. وبهذا يحصل الإنسان على الحقائق العلمية الجديدة التي تعلي من قدر الإنسان وترفع من مستوى الحياة
ومن أجل القيمة الثقافية التي يحصل الإنسان عليها من التعلم أو من إدامة النظر في الأشياء والتفكير فيها، قرر القرآن الكريم أن الإيمان بالله صحة عقلية، والكفر مرض أو آفة عقلية، وعلل القرآن الكريم ذلك باستعمال بعض الناس أدوات التفكير من سمع وبصر وقدرات ذهنية، وعدم استعمال آخرين لهذه الادوات.
وإن إعمار الكون واستثمار ما فيه من موارد طبيعية و بشرية لا يتم إلا من طريق تنمية القدرات الذهنية والعقلية وهذا الأمر محل اعتبار من القرآن الكريم. نبه الناس عليه في أكثر من مناسبة، قال تعالى:
{ إن في خلق السمٰوات والأرض واختلف اليل والنهار والفلك التي تجرى في البحر بما ينفع الناس وما أنزل الله من السمآء من مآء فأحيا به الأرض بعد موتها وبث فيها من كل دآبة وتصريف الريٰج والسحاب المسخر بين السمآء والأرض لايٰت لقوم يعقلون } ( البقرة / ١٦٤)
أي يستعملون آلة التفكير وهي العقل، وقال تعالى في شأن أولئك الذين لايستثمرون عقولهم بعد أن أراهم الله أياته الباهرة في الآفاق وفي أنفسهم قال تعالى:
{ سنريهم ءايٰتنا في الأفاق وفى أنفسهم حتى يتبين لهم أنه الحق } ( فصلت/ ٥٣ )
والقرآن الكريم لايقف في تنمية العقل والذهن عند تعليم الكتاب والحكمة، أو النظر الأنفس والآفاق وإنما يزيد عليها شيئا آخر هو التاريخ البشري الذي يحكي لنا تجارب الأمم الأخرى، إن هذا التاريخ يدلنا على سنن الله التي لا تتبدل، وعلى الظواهر الاجتماعية التي تختلف باستمرار، ومن هنا تظهر قيمة القصص القرآني في الكشف عن تلك السنن وعن هذه الظواهر، قال تعالى:
( يؤتي الحكمة من يشآء ومن يؤت الحكمة فقد أوتى خيرا كثيرا وما يذكر إلا أولوا الألبٰب ﴾ (البقرة: ٢٦٩).
هنا العلم الصحيح يكون صفة محكمة في النفس حاكمة على الإرادة وتوجيهها نحو العمل ومتى كان العمل صادرا عن العلم الصحيح كان هو العمل الصالح النافع المؤدي إلى السعادة. والمراد بإيتائه الحكمة من يشاء: إعطاوه العقل النافع لصاحبه، فالعقل من أعظم نعم الله على الإنسان وأنفعها وأجداها لديه ميزه الله به ، وخصه بوظائفه به يميز الخبيث من الطيب والخير من الشر، والفضيلة من الرذيلة.
ثانياً: التربية الخلفية:
إن إعداد الإنسان أن يقيم حقا في الأرض، ويحقق عدلاً بين الناس يتطلب أيضا تربية خلقية تساعده من خلال إيمانه بالإسلام وقيمه من ممارسة الحياة واستثمارها افضل استثمار، وتحول بينه وبين الإنزلاق الى المهاوي والرذائل المتمثلة في الظلم والبغي والعدوان، وفي الخيانة واتباع الأهواء وتلبية الشهوات.
إن الإنسان - بموجب وثيقة الاستخلاف – هو سيد هذه الأرض، وصلاحها وفسادها منوط بصلاحه وفساده، فإذا صلحت النفس الإنسانية أصلحت كل شيء تأخذ به وتتولى أمره ، وإذا فسدت أفسدت كل شيء كذلك.
والتربيتان العقلية والخلقية هما اللتان تخلقان وتحددان البعد الاجتماعي للإنسان، فترتفعان بالإنسان عن المستوى الحياتي والغريزي للحيوان.
إن التنمية العقلية قد يصاحبها شر أحيانا، ولكن التنمية الأخلاقية هي التي تجعل الضمير مستمداً قوته من المبادئ الدينية.
وإن الضمير حين يشتد ويقوى يوجه كل شيء إلى المصلحة البشرية، وتحقيق الخير العام ، فلا خوف، إذن؛ على المجتمع من الانحراف بسبب مايحققه له الرقي والرفاه الاقتصادي من قوة وترف مادام الضمير الذي تربى في حضن التنمية الأخلاقية هو الحكم الذي يكبح جماح الشر، ويطلق عنان الخير مستمداً مفاهيمه من جوهر إيجابية الاسلام الحنيف.
إن الأخلاق قوة إيجابية في المجتمع. وهي التي تخطط للأفراد سبل التعامل مع الناس على أساس من المبادئ والمعايير السلوكية ، لاشيء أفضل من التربية الخلقية في بناء الأفراد وبناء الشعوب.
ومن هنا كانت عناية الاسلام بالتربية الأخلاقية بالغة الأهمية، حتى أن القرآن اختارها صفة ملازمة للرسول الكريم (صل الله عليه وسلم) إذ جاء فيه { وإنك لعلى خلق عظيم }( قلم / 4). وكان يدعو به الرسول ربه – وهو القدوة الحسنة - ان يحسن الله خلقه (اللهم كما حسنت خلقي فحسن خلقي) كما أنه (صل الله عليه وسلم) ربط بين الايمان والأخلاق الحسنة؛ إذ قال
(أكمل المؤمنين إيمانا أحسنهم أخلاقا).
انتهى الموضوع ...
تعليقات
إرسال تعليق